الأمين العام: ندعو الدول والمؤسسات الغربية إلى وضع حد للاعتداء على المقدسات والرموز الدينية
انطلقت فعاليات المؤتمر الدولي الذي نظمته رابطة الجامعات الإسلامية بمدينة الرباط بالمملكة المغربية حول: “تأطير الحريات بين القيم الإسلامية وضوابط القانون الدولي”، وذلك يوم الخميس الموافق 24/8/2023 بمقر منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة “إيسيسكو” تحت رعاية وتشريف معالي الشيخ الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى –رئيس الرابطة-، وبمشاركة لفيف من العلماء ورؤساء الجامعات العربية والإسلامية إلى جانب خبراء ومتخصصين من دول العالم المختلفة. وقد أكد معالي الأمين العام لرابطة الجامعات الإسلامية أن هذا المؤتمر الدولي قد تم في إطار الجهود الحثيثة التي تقوم بها رابطة العالم الإسلامي لبناء جسور التفاهم والحوار بين مختلف الحضارات والشعوب والتي تقوم على أسس العدل والمساواة والمصالح المشتركة بين بني البشر جميعًا. جاء ذلك خلال الجلسة الافتتاحية للمؤتمر حيث أكد معالي الأمين العام للرابطة أن الحديث عن الحرية وضوابط ممارستها حديث ذو شجون، فمنظومة القيم الدينية تؤكد على وحدة الأصل البشري، وما يترتب على هذه الوحدة من المساواة في القيمة الإنسانية، والتأكيد على كرامة الإنسان المقررة من قبل الله عز وجل، والتأسيس على الحرية والاختيار واعتبار إلغاء إرادة الإنسان بمثابة إسقاط وإهدار لإنسانيته، يقول الحق تبارك وتعالى: { وَلَقَدۡ كَرَّمۡنَا بَنِيٓ ءَادَمَ وَحَمَلۡنَٰهُمۡ فِي ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِ وَرَزَقۡنَٰهُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِ وَفَضَّلۡنَٰهُمۡ عَلَىٰ كَثِير مِّمَّنۡ خَلَقۡنَا تَفۡضِيلا} (الإسراء: 70). ولفت معاليه إلى أنه إذا كان العالم يتغنى بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الأمم المتحدة فى العاشر من ديسمبر عام ١٩٤٨م كوثيقة تلقى كل التقدير والاحترام، فإنه يغفل أو يتغافل وثيقة مماثلة صدرت منذ أكثر من ألف وأربعمائة سنة وهي (وثيقة المدينة) فقد أقرت تلك الوثيقة جملة ما تناولته المواثيق الدولية الحديثة والمعاصرة من حقوق وحريات، ومثلت تلك الوثيقة إرادة جماعية لشعب أول دولة أسسها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ذلك الشعب الذي كان أفراده -رغم تعدد أعراقهم وأديانهم- متساوين في القيمة الإنسانية في حقوقهم وعلاقاتهم بالدولة في أول توثیق حقیقى لمفهوم (المواطنة). وقال معالي ا.د سامي الشريف :" رغم كل ما شهده العالم من تطورات تكنولوجية ومعلوماتية مذهلة في السنوات الأخيرة، وما أتاحته كل تلك التطورات من تواصل بين الشعوب المختلفة، فقد أصبح العالم أضيق بأهله من الأمس، فقد ضيقته المادية التي لا تنظر إلا تحت أقدامها، ولا تؤمن إلا بفائدة ومصالح أصحابها فحسب، كما خنقته الأثرة التي لا تسمح لاثنين بالعيش في إقليم واسع، والوطنية التي تنظر لكل أجنبي شذرًا وتجحد له كل فضل وتحرمه من كل حق". مضيفا أنه :إذا كنا نعيش عصر العولمة بكل مدخلاتها، فإنه من المؤسف أن العولمة بكل ما كان يفترض فيها من قنوات جديدة تساعد على ردم الفجوة المعرفية، وتأكيد شفافية الحوار، استُغلت كوسيلة لبث مفاهيم جديدة تدعم الفكر الاستيطاني الغربي القديم بصورة جديدة تحاول –من خلالها- تسطيح الثقافات المحلية، وتجريد الهويات القومية من قيمها، وتعمل على الترويج لنماذج ثقافية كونية تقلل من شأن الأديان عامة، وتحارب الدين الإسلامي خاصة باعتباره العدو الأول للحضارة الغربية. مشيرا إلى أنه على مدى سنوات طويلة اعتمدت الفلسفة الغربية على رؤية أحادية الجانب للتاريخ، فهي ترى أن الثقافات الإنسانية متصل كمى تمثل "الثقافة الحديثة" أحد أقطابه، بينما تشكل الثقافات البدائية "القطب الثاني"، حيث اعتبرت تلك الفلسفة أن الثقافة البدائية لا تفتقر للتكنولوجيا الحديثة بل تفتقر للقيم الأخلاقية، وهى تتصف بالبربرية والهمجية، في حين تتصف الثقافة الحديثة بالتطور والحداثة والتحضر، مما أدى إلى انتشار فكرة صراع الحضارات بين الغرب والعالم الإسلامي و تصوير الأوضاع المعقدة على الصعيد الدولى فى صورة صراع بين جانب الخير متمثلاً في الغرب، وجانب الشر متمثلًا في العالم الإسلامي. وبيّن معالي الأمين العام أن تصرف المتطرفين السفهاء الذين يحرقون نسخ المصحف الشريف، غلًّا وحقدًا، بزعم معاداتهم للدين الإسلامي، ينسون أو يتجاهلون أن هذا المصحف يتضمن ذكرًا وتكريمًا للسيدة مريم العذراء وللسيد المسيح –عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام- أكثر من سبعين مرة، كما جاء في هذا المصحف ذكر وتكريم لسيدنا موسى –عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام- في أكثر من مائة موضع، فهذه الأعمال العدوانية البغيضة بقدر ما تمس مقدساتنا وتؤذي مشاعرنا، فهي في الوقت نفسه تبرهن على أزمة أو علة ما في هوية البلدان الأوروبية، وتفضح زيف ما يزعمه الأوروبيون لأنفسهم من قيم العدالة والديمقراطية والمساواة وحرية الرأي والمعتقد. وقد تطرق معاليه إلى المحاولات الدؤوبة والجهود الحثيثة التي تقوم بها رابطة العالم الإسلامي في ظل قيادتها الحكيمة لتعزيز مفاهيم مد الجسور والتفاهم والحوار بين الحضارات المختلفة بهدف بلورة رؤية حضارية من شأنها ترسيخ قيم الوسطية ودعم قيم الصداقة والتعاون بين الأمم والشعوب والعمل على نشر الوعي بمفاهيم السلام والوئام بين القادة الدينيين. ولقد تُوجت تلك الجهود بمبادرة معالي الشيخ الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى –الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي-، والتي أطلقها من منبر الأمم المتحدة بعنوان: "جسور التفاهم والسلام بين الشرق والغرب"، والتي حظيت بتأييد ومباركة واسعين من مختلف السياسيين والمفكرين والقيادات الدينية من مختلف دول العالم. وتأتي هذه المبادرة امتدادًا لجهود معاليه التي انتهجت نفس النهج بدءا من توقيع (وثيقة مكة المكرمة)، في الخامس والعشرين من شهر رمضان للعام 1440ه، الموافق الثلاثين من مايو عام 2019م، والتي أقرها أكثر من 1200 شخصية إسلامية من 139 دولة من مختلف المذاهب والطوائف الإسلامية، ونصّت هذه الوثيقة على مكافحة الإرهاب والظلم والقهر، ورفض انتهاك حقوق وكرامة الإنسان، وتأصيل قيم التعايش بين الأديان والثقافات والأعراق والمذاهب المختلفة. وتنصبُّ جهود معاليه في اتجاه تقديم صورة ناصعة للتعاون والحوار لبناء عالم خالٍ من دعوات الإقصاء والتمييز، ورفض قبول الآخر أو إجباره على قبول ما لا يتفق وعقيدته أو حرمان الآخر من التعبير عن آرائه واتجاهاته طالما لا تمس عقائد الآخرين.