الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد,,,
فلقد ارتبط العرب في الجزيرة العربية بعلاقة وثيقة مع البلاد الإفريقية المجاورة لهم سواء في الساحل الشرقي الإفريقي, أو سواحل البحر الأحمر, أو البلاد المتاخمة للصحراء الكبرى, وقد تكونت هذه العلاقة منذ البداية على الود والتآخي.
ولا شك أن دخول الإسلام إلى القارة الإفريقية, وانتشاره فيها جعل أفريقيا مركزًا مهمًّا من مراكز الحضارة الإسلامية, وأصبحت اللغة العربية هي لغة الفكر والثقافة في أفريقيا, فبفضل انتشار الإسلام وُضعت إفريقيا على الخريطة الحضارية والثقافية في العالم بقيام مراكز حضارية إسلامية فيها, حيث فتح الإسلام أمام الإفريقي آفاقًا جديدة, وبانتشاره حدثت ولادة روحية للثقافة الإفريقية, أحدثت تغييرات جذرية في نمط حياة الإنسان الإفريقي, وعملت مجموعة الخصائص والسمات التي اختص بها الإسلام على إعادة تشكيل الشخصية الإفريقية, وبلورتها وفق ما تضمنته الثقافة العربية الإسلامية؛ ذلك أن منظومة القيم ثابتة لأنها مستوحاة من الوحي الكريم, الذي يُكرم الإنسان؛ لأنه إنسان قيمة ومعنى.
من هذا المنطلق يأتي هذا الكتاب الذي بين أيدينا والذي يرتكز حول المجالات التي يمكن أن يلعب فيها التعليم دورًا مؤثرًّا في تحقيق الاستقرار والأمن بالقارة الأفريقية باعتبار أن التعليم هو الأساس للوصول إلى هدف التنمية والتطور.
ويشتمل هذا المُؤلَّف على عدة أبحاثٍ ودراسات تدور كلها في فلك التعليم العربي الإسلامي في إفريقيا, والتعليم العربي الإسلامي والتنمية الإفريقية, والتحديات التي تواجه التعليم الإفريقي المعاصر, ودور المنظمات الدولية الإسلامية في التنمية والتطور في إفريقيا, وواقع اللغة العربية والتعريب وأهميته, وغير ذلك من موضوعات مهمَّة.
فيطالعنا الكتاب بداية ببحث للدكتور/ عبد الفتاح محمد أحمد, عن الصعوبات والتحديات التي تواجه التعليم العربي المعاصر في إفريقيا, حيث يناقش من خلال بحثه, أثر الاستعمار على التعليم العربي المعاصر في إفريقيا, والصعوبات والتحديات التي تواجه التعليم العربي المعاصر في إفريقيا, وتأثير الفراغ التربوي على مستقبل هذا التعليم المعاصر في الدول الإفريقية, وكيف يمكن للدول الأفريقية التصدي للصعوبات والتحديات التي تواجهها؟
حيث أوضح الباحث تلك الصعوبات من جهة صعوبات تتعلق بالدول ذات الأطماع, أي صعوبات تتعلق بالنظم السياسيــة في الدول الأفريقيـة والتي تؤثر تأثيرًا مباشرًا على عمليات التعليم والتعلم.
وصعوبات واجهت وما زالت تواجه التعليم في الدول الأفريقية؛ بسبب محاولات الاستعمار الأوروبي لنقل نماذجه التعليمية وأهدافه الاستعمارية وترويجها في البلاد التي استعمرها.
كما أوضح الباحث الصعوبات التي تتعلق بالأفريقيين أنفسهم, من حيث الصعوبات التي ترتبط بالأوضاع القبلية والعرقية في الأقطار الأفريقية الإسلامية, وغيرها.
ثم ينتقل بنا هذا البحث إلى التوجهات الاستعمارية التي تحدَّت مسيرة التعليم العربي المعاصر في إفريقيا, والتحديات التي تتمثل في تقسيم إفريقيا بين المستعمرين, ويسوق لنا بعض الحلول للمشكلات التي تتعلق بمواجهة الصعوبات والتحديات التي تواجه التعليم العربي الإسلامي المعاصر للدول الإفريقية.
ثم تأتي الدراسة الثانية عن المراكز الحضارية في القارة الإفريقية, ودورها التعليمي والثقافي في بلورة الشخصية الإفريقية للباحثة/ فادية عبد العزيز القطعاني.
حيث تسوق لنا لمحة تاريخية عن علاقة العرب بأفريقيا, والمراكز الإسلامية في أفريقيا ودورها في نشر التعليم والثقافة العربية الإسلامية, من خلال نظرة عامة على دخول الإسلام في إفريقيا, ووسائل انتشار الإسلام في أفريقيا عن طريق اللغة العربية, والتجارة والتجار, والدعاة والمعلمين, والفرق الصوفية, والهجرة.
كما توضح لنا الباحثة, تأثير التعليم والثقافة العربية والإسلامية في الشخصية الأفريقية من حيث إنه كان للتعليم والتربية الإسلامية دور بارز في تغيير نمط حياة الإنسان الأفريقي وتطوره وتقدمه في كافة جوانب حياته الثقافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية, وهي كلها جوانب مترابطة ومتداخلة ومتفاعلة فيما بينها.
أما الدراسة الثالثة في الكتاب فجاءت عن اللغة العربية في إثيوبيا ((خلفيات الانتشار وعوامل الانحسار)) للأستاذ عمر السيد عبد الفتاح, الذي يوضح وضع اللغة العربية في إثيوبيا, حيث ألقى الضوء على الخلفية التاريخية لانتشار اللغة العربية في إثيوبيا من حيث مراحل وعوامل ومظاهر الانتشار, ثم تناول الوضع الحالي للغة العربية في إثيوبيا كلغة دين وتعامل, واللغة العربية في وسائل الإعلام الإثيوبي, واللغة العربية والتعليم في إثيوبيا, ثم قدم الباحث أسباب انحسار اللغة العربية في إثيوبيا, ومعوقات انتشارها, مع توضيح تأثير اللغات الأوروبية والاستعمار والسياسات اللغوية, والوضع الحضاري والثقافي للعرب في هذه الدولة الإفريقية.
وتأتي الدراسة الرابعة عن دور التعليم العربي الإسلامي في توفير الشروط اللازمة لتحقيق التنمية والتطور في أفريقيا, إعداد د/ عماد عواد, حيث أوضح الباحث أنه يمكن للتعليم الإسلامي أن يلعب دورًا مؤثرًّا في تحقيق التنمية والتطور في أفريقيا.
أما الدراسة الخامسة من هذا الكتاب فهي للدكتور عثمان أبو زيد عثمان وجاءت حول تطبيق الجودة الشاملة في التعليم العربي الإسلامي وبناء الإنسان في إفريقيا, وقد هدف الباحث إلى بيان أن يكون لكل مؤسسة تعليمية نظام لإدارة وتوكيد الجودة, من خلال التوعية بثقافة الجودة وأخلاقياتها, وما يتصل بها من تراث أصيل للجامعات الإسلامية, إذ من المفيد تناول مفهوم الجودة في الإسلام, مع تقديم نماذج حية من التراث, وقد صاحب الباحث التوفيق, إذ قدم نماذج إقليمية وعالمية لتطبيقات الجودة, ثم إشارات عامة في الإفادة من نظام الجودة في تأسيس هيكل فاعل للإدارة الجامعية, وتعزيز تميز التعليم العربي الإسلامي.
بينما تناول أ/ داود بدر مالك في البحث السادس من هذا المؤلَّف موضوع تعليم الرياضيات باللغة العربية في تشاد (حاضره ومستقبله) حيث أوضح الدور الذي تلعبه مادة الرياضيات عند تدريسها في الثقافة والتنمية في تشاد, وهدف الباحث من خلال بحثه إلى تحديد وضعية مادة الرياضيات في التعليم العربي في تشاد, وكذلك تطوير تعليم الرياضيات بالعربية ليصل لمستوى تعليمه بالفرنسية بل يفوقه, والواقع أن أهمية هذا البحث تكمن في أنه أول محاولة للتعرض لتعليم الرياضيات بالعربية.
ورأى الباحث أن هذه المحاولة وأيـــــًّا كانت نتائجها, ستكون بداية لإبراز دور هذه المادة الحيوية في تكوين الشخصية الإفريقية المسلمة والتذكير بالدور الريادي الذي قام به المسلمون في تطوير هذه المادة؛ ولإبراز دور التعليم العربي الإسلامي في التنمية والتطور في إفريقيا.
وجاء البحث السابع حول نماذج من الشعر الشعبي العربي التشادي دراسة مضمونية لغوية للدكتور/ مصباح السيد محمد سالم, وقام فيه بدراسة لغوية من الشعر العربي التشادي, أوضح فيها أن الشعر الشعبي يُشكل منظمة فكرية للشعب التشادي تكشف مختلف أوجه الحياة الأدبية, وتعبر عن واقع ملموس لكيانه, وهو ما تغنَّى به الشعراء التشاديون وأخرجوه إلى حيِّز الوجود.
وتأتي الدراسة الثامنة حول موضوع التعليم والتنمية في إفريقيا من خلال نشاط جمعية الدعوة الإسلامية العالمية, وقد تناوله د/ محمود أحمد الديك, الذي أوضح مفهوم التنمية وأبعادها, والتنمية واتجاهاتها في أفريقيا, وأهداف برنامج جمعية الدعوة الإسلامية العالمية, كما ساق الباحث عدة محاور حول التعليم, والمحور الإعلامي, والمحور الصحي والاجتماعي وبعض الصعوبات التي تواجه الثقافة في أفريقيا ومقترحات لها.
أما البحث التاسـع والأخير الذي جـــــاء ضمن محتوى هذا المؤلَّف القيـــِّـم فقد جــــاء للدكتـــور/ فضل خلود الدكو والذي تناول موضوع رابطة العالم الإسلامي وأثرها في انتشار التعليم العربي الإسلامي والتنمية في أفريقيا, حيث قدم لنا الباحث نبذة عن رابطة العالم الإسلامي, ونظامها وأهدافها, وأوضح كيف ظهرت المدارس العربية الإسلامية في أفريقيا, وأثرها في انتشار التعليم العربي الإسلامي والتنمية في أفريقيا.
والواقع فإن هذا الكتاب وما احتواه من أبحاث ودراسات ليدل دلالة قاطعة على مدى ما وفره التعليم العربي الإسلامي في أفريقيا من تنمية وتطور للمجتمع الإفريقي.
والله ولي التوفيق,,,
