ألقى معالي رئيس رابطة الجامعات الإسلامية، رئيس هيئة علماء المسلمين، الشيخ الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى محاضرة تاريخية في رحاب جامعة القاهرة العريقة، بعنوان "مستجدات الفكر بين الشرق والغرب"، أدارها رئيس الجامعة الدكتور محمد عثمان الخُشت، بحضور سفير خادم الحرمين الشريفين لدى جمهورية مصر العربية، أسامة بن أحمد نقلي، ومفتي الديار المصرية الدكتور شوقي علام، ونخبة من الشخصيات الدينية والفكرية ورؤساء الجامعات المصرية وعدد كبير من طلاب الجامعة.
أقيمت المحاضرة بقاعة الاحتفالات الكبرى بالجامعة ،وذلك يوم 20ديسمبر2023م الموافق 7جمادى الآخرة؛ استجابة للدعوة التي وجهها رئيس جامعة القاهرة الأستاذ الدكتور محمد الخُشت لمعالي الشيخ العيسى.
خلال المحاضرة تناول معالي الدكتور العيسى أبرز الملامح العامة والمتغيرات الفكرية التي طرأت بين الشرق والغرب ونقاط الاختلاف والالتقاء فيها، لافتًا النظر إلى أن المُستجدات بين الشرق والغرب تتعلق بجملة كبيرة من القضايا ذات العلاقة الأكثر بمفهوم الحريات، مؤكدًا في الوقت نفسه ضرورة عدم المساس بالهويات الوطنية والثوابت الدينية ، واحترام حق الآخر في الوجود بكرامة، وتغليب حسن الظن بالآخرين..
ونبّه معاليه إلى مُهددات الوئام بين الأمم والشعوب التي ظهرت مؤخرًا من خلال الاستفزازات الدينية من منطلق الحريات المنفلتة، ومنها حوادث حرق نُسخ من المصحف الشريف..
وبشأن مواجهة الكراهية، نوّه الدكتور العيسى بالقرار الذي أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة باتخاذ الخامس عشر من مارس يومًا عالميًا لمحاربة رُهاب الإسلام أو ما يسمى بـ"الإسلاموفوبيا"، لافتًا الانتباه إلى أن مبادرة "بناء الجسور بين الشرق والغرب" التي أطلقتها رابطة العالم الإسلامي بالتعاون مع الأمم المتحدة، تتجاوز المُعَاد والمكرر بين الشرق والغرب إلى خطوات عملية جادة قائمة على التفاهم المتبادَل والكامل وعبر حوار جاد وفاعل لبناء الجسور بين الطرفين.
مشيرا إلى أن هناك تواصلا عصريا بين الشرق والغرب من خلال منافذ العولمة التي تمتطي صهوة الإعلام الجديد الذي فتح العالم على بعضٍ فأحاله إلى ما يُشبه المجتمع الواحد المليء بالتنوع والتعدد والاختلاف، ومن ثم كثر التفاعل بكافة معانيه أيًا كان التفاعل سلبًا أو إيجابًا..
لافتا إلى أن التراث الإنساني الفكري يعد أخصب ما خلَّفته الذاكرة الإنسانية، إذ هو في معيار كتابة التاريخ الإنساني في المرتبة الثانية بعد الوقائع التاريخيَّة المتعلقة بالصراعات الحادة وفي طليعتها الحروب الدينية والسياسية، والفرق بينهما أنَّ “ما خلَّفته الوقائع التاريخية مِن صراعات حادة وحروب، إنما يمثل مساجلات القوة الصلبة، بينما التراث الفكري المجرد يُمثل مساجلات القوة الناعمة، التي تخطو وتثب، ولكنها في نطاق حكمتها لا تتجاوز محورها المسالم، مهما تكن الحِدّة في السجال.”.
وعبّر معاليه عن أسفه لمن وقعوا في فخ الاستفزاز الديني والفكري، فسطّروا مقالات ومؤلفات مليئة بوحشي العبارات والاتهامات المجازفة، ليكشفوا عن مستوى متدنٍ من الوعي، ويسيئوا إلى ما قد يكون لديهم من قضية عادلة.
وشدَّد الدكتور العيسى على ضرورة أن يلتزم المؤمن بالحكمة، والدفع بالتي هي أحسن، وأن يعرض عن الجهلة، هذا في الجهلة فكيف بمن يملكون حجة قد يكون لها في أقل الأحوال حظ من النظر؛ لذا من المهم أن يستذكر المرء دوماً أنه ليس معصومًا من الخطأ، ولا يُمثل الحقيقة المطلقة.”.
كما أكد معاليه على أن الدِّين لا تجديد فيه وإنما التجديد في الاجتهاد، وهو عملية إنزال النص الشرعي على الواقعة، التي تسمى في اصطلاح علماء أصول الفقه بتحقيق المناط، موضحاً أن لكل زمان ومكان واقعاته التي يختلف بها مقصد النص؛ لأن شريعة الله جاءت لتحقيق مصلحة الدِّين ومصالح الدنيا بعيدًا عن الأهواء.
واختتم محاضرته قائلًا: "لابد لعالمنا في هذه القضايا من الحوار الجاد والفاعل لأننا من جهتنا نحمل رسالة سامية وقيماً رفيعة لابد أن تصل ويفهمها الآخرون فإن اقتنعوا بها فذاك وإلا كفى في أقل الأحوال تفهمهم لها من خلال كفاءة الحوار، كل ذلك في أجواء يَحُفُّها سموُّ النفس، والأدب الرفيع، والحكمة، مع التأكيد في الوقت نفسه على ضرورة عدم الإساءات أو الاستفزازات لخصوصية الهويات الدينية والوطنية، مع أهمية احترام حق الآخر في الوجود بكرامة، وكذا تغليب حسن الظن بالآخرين.